"وزارة الثقافة" و"الشارقة للتراث" يتحاوران في جلسة "أن تكتب مدينة.. الجغرافيا كحكاية" بمعرض الكتاب
نظّمت وزارة الثقافة الجمعة بجناحها
في معرض الشارقة الدولي للكتاب، وبالتعاون مع معهد الشارقة للتراث، جلسةً حواريةً بعنوان "أن تكتب مدينة.. الجغرافيا كحكاية"، شارك فيها سعادة الدكتور عبدالعزيز المسلم رئيس معهد الشارقة للتراث، والأستاذ فهد المعمري الكاتب والباحث، والأستاذ علي العبدان الكاتب والفنان التشكيلي، وأدارها الدكتور مني أبونعامة.
المدونات الرحلية القديمة والأدب المعاصر
ناقشت الجلسة حكاية المدن من خلال أدب الرحلة المعاصر، مع استدعاء المدونات القديمة التي دوّنها الرحالة والجغرافيون والبلدانيون المسلمون على مدى قرون طويلة، وما تحمله من أثر في الوعي الثقافي العربي، إضافة إلى ما تمثّله من ذاكرة ثقافية حية أثّرت في الكتّاب العرب المعاصرين. كما استكشفت الجلسة رمزية الرحلة في المنام، بالعودة إلى الموروث العربي في كتب تفسير الأحلام، مثل ما يُنسب إلى محمد بن سيرين، وغيرها من المدونات التي جمعت بين الخيال والسفر والتأمل، لتقدّم رؤية جديدة لموقع أدب الرحلة العربي المعاصر في زمن السرعة والتنقّل.
الرحلة تبدأ من المطار وتكتب تفاصيل المدن
تحدث في الجلسة الدكتور عبدالعزيز المسلم عن تجربته الخاصة في تدوين المشاهدات والانطباعات من خلال ما يُعرف اليوم بـ"أدب الرحلة المعاصر"، مستعرضًا تجربته في مؤلفيه «مدائن الريح» و«مدونة مسافر»، اللذين وثّق فيهما رحلاته حول العالم والمدن التي زارها والعلامات التي استوقفته ومشاهداته وانطباعاته عن المدن والشوارع والمعالم التي زارها حول العالم. وأشار د. المسلم إلى أن الرحّالة المعاصر يكتب تجربته فور وصوله إلى المدينة أو حتى من المطار، في دلالة على ديناميكية العصر وسرعته مقارنة بالماضي الذي اتسم بالتأمل والتمهّل.
استحضار الموروث الرحلي العربي
من جانبه، قدّم الأستاذ فهد المعمري الكاتب والباحث قراءةً في أدب الرحلات العربي، مستعرضًا أعمالًا كلاسيكية ونماذج من المدونات القديمة مثل مؤلفات ابن خرداذبه والبيروني وغيرهما من الرحالة والجغرافيين الأوائل، الذين أسّسوا لبنية هذا الأدب في الثقافة العربية. وأشار إلى تجربته في كتاب «تلخيص الصفحات في أدب الرحلات»، الذي تناول فيه رحلات عربية مميزة، من بينها رحلة الشاعر امرؤ القيس، الذي جعل من رحلته في استرداد ملك أبيه ملحمةً شعريةً توثيقية، جسّدت دور الشاعر الرحّالة في رصد المكان والانفعال الإنساني بعيدًا عن النمط التقليدي للسفر والتدوين.
رمزية الرحلة في المنام والسرد
أما الأستاذ علي العبدان الباحث والكاتب، فتناول الرحلة في المنام، محلّلًا دلالاتها في النصوص القديمة والمعاصرة، مشيرًا إلى النظريات الحديثة التي تربط بين الحلم والرحلة والخيال الإنساني، معتبرًا أن الحلم هو نوع من السفر الداخلي الذي يوازي الرحلة الواقعية في المكان. وتطرّق العبدان إلى معالم الرحلة من خلال المنام، مشيرًا إلى الموروث العربي في كتب تفسير الأحلام مثل ما يُنسب إلى محمد بن سيرين، لتبرز العلاقة بين الرمز والحلم والسفر في الثقافة العربية، وامتداداتها في السرد المعاصر.
إحياء أدب الرحلة العربي
وفي ختام الجلسة، أكّد المشاركون أن أدب الرحلة العربي يظلّ حاضرًا في الذاكرة وغائبًا في الممارسة، مؤكدين الحاجة إلى إحياء هذا الفن العريق الذي حفظ لنا عبر التاريخ حكايات المدن والناس والمشاهد، وجسّد شغف العربي الدائم باكتشاف الجغرافيا عبر الحكاية، والذي لا يزال يشكّل ركيزةً أساسيةً في التراث الثقافي العربي، إذ حفظ للعرب سجلًا ثريًا من الأسفار والمشاهد والمدونات التي تؤرّخ لتجارب الإنسان عبر الزمان والمكان، داعين إلى إحياء هذا اللون الأدبي ومواصلة استثماره في سرد التجربة الإنسانية المعاصرة.